رمضان وسلوكيات الصائم

الموضوع في 'ديننا الاسلام' بواسطة شهرزاد, بتاريخ ‏14 يوليو 2015.

  1. شهرزاد

    شهرزاد عضو

    إنضم إلينا في:
    ‏17 يونيو 2015
    المشاركات:
    252
    الإعجابات المتلقاة:
    10
    نقاط الجائزة:
    16
    الجنس:
    أنثى
    عندما يقبل شهر رمضان يتشوَّف الناس هلاله، ويعدُّون الساعات عداً حتى تأتي البشرى بانتهاء شعبان، وبداية رمضان، يفعلون ذلك كما لا يفعلون في غيره من سائر الشهور، بل ربما جهل كثير من المسلمين بداية الشهور ونهايتها، حتى إذا جاء شهر رمضان تغيرت طبيعتهم، ولسان حالهم يردد قوله - تعالى -: {إِنَّ عِدَّةَ الشُّهُورِ عِنْدَ اللهِ اثْنَا عَشَرَ شَهْراً فِي كِتَابِ اللهِ يَوْمَ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ مِنْهَا أَرْبَعَةٌ حُرُمٌ ذَلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ فَلاَ تَظْلِمُوا فِيهِنَّ أَنْفُسَكُمْ}1.
    إنها فرصة في هذا الشهر الكريم أن يتنفس المسلم الصعداء وهو يردد مع الذاكرين عند رؤية هلال رمضان "ربي وربك الله, هلال خير وبركة".
    والمسلمون لا يرتبطون خلال شهر رمضان ببداية الشهر ونهايته فحسب بل هم يترقبون الفجر حتى يمسكوا، ويترقبون مغيب الشمس حتى يفطروا، ويعدُّون أيامه عداً لا يكاد يخطئ فيه أحد؛ فيرتبطون بحركة هذا الكون العابد المسبح لله - تعالى -: {تُسَبِّحُ لَهُ السَّمَاوَاتُ السَّبْعُ وَالأَرْضُ وَمَن فِيهِنَّ وَإِن مِّن شَيْءٍ إِلاَّ يُسَبِّحُ بِحَمْدِهِ وَلَكِن لاَّ تَفْقَهُونَ تَسْبِيحَهُمْ}2، {أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللهَ يَسْجُدُ لَهُ مَن فِي السَّمَاوَاتِ وَمَن فِي الْأَرْضِ وَالشَّمْسُ وَالْقَمَرُ وَالنُّجُومُ وَالْجِبَالُ وَالشَّجَرُ وَالدَّوَابُّ وَكَثِيرٌ مِّنَ النَّاسِ وَكَثِيرٌ حَقَّ عَلَيْهِ الْعَذَابُ}3.
    وهذا الترقب والانتظار يتساوى فيه المسلمون جميعاً عرباً وعجماً، فقراء وأغنياء، حكاماً ومحكومين، إذ لا مجال للحظوة والوساطة، فمن أكل أو شرب متعمداً بعد أذان الفجر أو قبل أذان المغرب فصيامه باطل، وليس هناك صيام للسادة وصيام للعبيد، وليس هناك صيام للصفوة، وصيام للعامة، فالكل هنا سواء.
    إن سلوكيات الصائم في رمضان تظهر في استغلال هذا الشهر بما خصه الله به من صيام، والصيام جُنَّة (أي وقاية)، وكل عمل ابن آدم له إلا الصوم فإنه لله وهو يجزي به، وأنعم بجزاء الله - تعالى - من جزاء، وأجمل بكرمه وعطائه من عطاء، والصوم يهذب النفس، ويسمو بالروح والخلق، ومن هنا يتعلم المسلم أنه لم يخلق ليأكل ويشرب ويعاشر النساء، فهذا تشاركه فيه جميع دواب الأرض، لكنه خلق لغاية أسمى، وهدف أعلى؛ هو عبادة الله - تعالى - وتقواه بإتيان ما أُمر، واجتناب ما نُهى، فهي إذن ثورة على شهوات الأرض وجواذبها حيث نملكها ولا تملكنا، فلسنا عبيداً لشهوة، ولا أسرى لعادة، وقد أعلنَّا العبودية لله بما يتضمن نبذ عبودية ما دون الله.
    وهذا الشهر تصفد فيه الشياطين، ويترك المسلم لنفسه لتكون أكثر انقياداً له {إِنَّ النَّفْسَ لأَمَّارَةٌ بِالسُّوءِ إِلاَّ مَا رَحِمَ رَبِّيَ إِنَّ رَبِّي غَفُورٌ رَّحِيمٌ}4؛ فيميز المسلم بين ما يأمره الشيطان وما تأمره النفس، ويعرف الداء ليهتدي إلى معرفة الدواء، ويضع من التدابير الواقية والأسباب المعينة على الارتقاء بالنفس وتهذيبها وتزكيتها ما ينتفع به قال - تعالى -: {وَنَفْسٍ وَمَا سَوَّاهَا * فَأَلْهَمَهَا فُجُورَهَا وَتَقْوَاهَا* قَدْ أَفْلَحَ مَن زَكَّاهَا* وَقَدْ خَابَ مَن دَسَّاهَا}5؛ فيحاسب المسلم نفسه، ويراقبها ويعاتبها ويؤدبها حتى يسلس انقيادها له، وتخضع لأمر الله لترقى في معالي الخلود حتى تصير نفساً مطمئنة، وتنادى: {يَا أَيَّتُهَا النَّفْسُ الْمُطْمَئِنَّةُ * ارْجِعِي إِلَى رَبِّكِ رَاضِيَةً مَّرْضِيَّةً * فَادْخُلِي فِي عِبَادِي * وَادْخُلِي جَنَّتِي}6.


    والصائم في هذا الشهر يهتم بحراسة مدخل الطعام والشراب، إلا إذا نسي أو أخطأ: ((مَنْ أَكَلَ نَاسِياً وَهُوَ صَائِمٌ فَلْيُتِمَّ صَوْمَهُ فَإِنَّمَا أَطْعَمَهُ اللَّهُ وَسَقَاهُ))7، ولذلك لم يقف الشيطان له في هذا الطريق لعلمه بحرصه عليه، ويقظته وتنبهه من أن يؤتى من قبله، لكن وقف له في طريق آخر فأغواه وأغراه بالغيبة والنميمة، وإطلاق اللسان في الآخرين يشتم هذا، ويقذف هذا دون أدنى حرج، وهو لا يعلم أن طعامه وشرابه ناسياً لا يقارن بما يقترفه من الكبائر الموبقة التي تذهب بأجر الصيام.
    وفي الشهر يسن للمسلم الاعتكاف ليترك للناس الدنيا وزخرفها، وضجيجها وضوضائها، ولهوها وزينتها، وينقطع إلى العبادة والذكر، والقيام والقرآن، وفي هذه الخلوة تتسامى روحه، وتصفو نفسه، وتعلو همته، ويستمد الطاقة من الله ليستعين بها طوال عامه، وبهذا تتحقق التقوى في أتم صورها التي أمر الله - تعالى - المسلمين بها: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلاَ تَمُوتُنَّ إِلاَّ وَأَنْتُم مُّسْلِمُونَ}8.
    وفي هذا الشهر تكون زكاة الفطر طهرة للصائم من اللغو والرفث، وطعمة للمساكين، وإغناء لهم عن ذل الحاجة والسؤال في يوم العيد, وبإعطائها الفقراء يتدرب المرء على البذل والعطاء حتى ولو كان معسراً، ويصدق فيه قول الله - تعالى -: {الَّذِينَ يُنْفِقُونَ فِي السَّرَّاءِ وَالضَّرَّاءِ}9، وهذه الطريقة المنظمة الشاملة العامة للبذل والعطاء لها أثرها الطيب في خُلق الغني والفقير، فهي تطهر نفس الغني من الشح والبخل، ليعلم أن المال مال الله، وأنه مستخلفه فيه، ينفق منه حيث أمره، ويمسك حيث نهاه، وفي الوقت نفسه تطهر نفس الفقير من الحقد والحسد، ويعلم أن الله لم يتركه هملاً، ولن يضيع في وسط مجتمع مسلم يعرف حق الله في ماله.
    وهكذا يهذب الصيام سلوك الصائم، ويجعله يتجه نحو ربه بكل قوة ونشاط.
    نسأل الله - تعالى - أن يصلح أخلاقنا وسلوكنا، وأن يغفر لنا ولوالدينا، ولجميع المسلمين والمسلمات؛ إنه ولي ذلك والقادر عليه، ونسأله - سبحانه وتعالى - أن يغفر ذنوبنا، ويستر عيوبنا، وينور قبورنا، ويسهل أمورنا، ويتوفانا وهو راض عنا؛ إنه نعم المولى ونعم النصير، وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
    1 سورة التوبة (36).

    2 سورة الإسراء (44).

    3 سورة الحج (18).

    4 سورة يوسف (53).

    5 سورة الشمس (7-10).


    6 سورة الفجر (27-30).

    7 رواه البخاري (6176)، ومسلم (1952).

    8 سورة آل عمران (102).

    9 سورة آل عمران (134).
     

مشاركة هذه الصفحة